الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرأي الحر: لا يمكن لأيّ حزب ديني أن ينجح في تونس

نشر في  23 أفريل 2014  (11:07)

بقلم: محمد المنصف بن مراد


بعد تضحيات جسيمة وشهداء أبرار تحرّرت أغلب البلدان العربيّة من الاستعمار الغربي ولم تكن الحركات الدّينية ساهمت في نيل الاستقلال، بل كلّ ما في الأمر أنّ شخصيات دينيّة مرموقة اندمجت في هذا الكفاح.. وبعد الاستقلال وقعت اصطدامات عنيفة ودموية بين الحكومات المدنية التي كان يقودها البعث في العراق وسوريا وفي مصر جمال عبد الناصر وفي تونس الحبيب بورقيبة وفي الجزائر  جبهة التحرير.. وبتوالي أخطاء الحكومات القائمة والتي لم تسمح بإرساء الديمقراطية وحرية الإعلام واستقلال القضاء والتعدّدية الحزبيّة الحقيقيّة والاهتمام بالهوية، أصبحت الحركات الاسلامية البديل السياسي الوحيد بما أنّ الشعوب اعتبرتهم «عادلين» ويخافون الله ومدافعين عن الحريات والديمقراطية.. وهكذا باتت هذه الحركات الملجأ الأوحد للتخلّص من الأنظمة الديكتاتورية..وقد ساعدت الولايات المتحدة بروز الاسلاميين اعتقادا منها أنّ هؤلاء لاعلاقة لهم بالعنف والارهاب وأنّهم لن يضرّوا بمصالح اسرائيل ولن يستهدفوا وجودها.
وفي كلّ مراحل اصطدامها بالحكومات المدنية، التجأت الحركات الدينية الى العمل السري محاولة الاستحواذ على السلطة بكلّ الوسائل بما في ذلك الانقلاب.. وفي تونس وبما انّ أحزاب المعارضة لم يكن مسموحا لها بالنشاط الفعلي والجماهيري قبل 2011، فقد وجدت الحركات الدّينية نفسها في وضعية إيجابيّة بعد الثورة لأنّها كانت منظّمة ولأنّ شعوب «الرّبيع العربي» كانت تعتقد انّ الاخوان «نظاف» وانّهم مسلمون معتدلون وديمقراطيون وأنّهم سيحافظون على وسطية المجتمع ومكتسباته مع الحدّ من الفساد وارساء العدل واحترام حرّية الإعلام واستقلاليّة القضاء والاهتمام بالهوية ومقاومة التسيّب الأخلاقي.
لكنّ كل هذه الانتظارات تبخّرت لأنّ النهضة في تونس وحزب الحرية والعدالة في مصر ـ على سبيل المثال ـ مرتبطان بالتنظيم الدولي للاخوان المسلمين الذين خطّطوا للاستيلاء على السلطة في كل البلدان العربية ـ ولو بصفة تدريجيّة ـ دون أن يأخذوا في ذلك بعين الاعتبار الفوارق في النموّ الثقافي والاجتماعي والدورالفعّال للنّخب.. وطالما أنّ الأحزاب الدينية مرتبطة بهذا التنظيم فقد حكمت على نفسها بالفشل لأنّ لكلّ شعب خصائصه لأنّ برنامج الاسلام المسيّس لا علاقة له بوسطية ثقافة هذه الشّعوب ولا علاقة له أيضا بالثورة الكونية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالعلوم الصّحيحة وبحقوق الانسان.. لقد تعامل التنظيم الدولي للإخوان وكأنّ الشعوب العربية نسخة مطابقة لشعب أفغانستان ولبعض الشعوب العربية الغريبة عن التاريخ المعاصر والحداثة.
وما دامت النهضة مرتبطة بهذا التنظيم الدولي فلن تنجح في تونس لأنّ بلادنا لها موروثها الحضاري وشعبها يرفض «تسييس» الدين من قبل أيّ حزب، فالاسلام عقيدة وأخلاق وممارسة ولا علاقة له إطلاقا بخطب وقرارات وزراء النهضة وحلفائها التكتّل وخاصة المؤتمر.. وطالما لم «تتونس» النهضة نفسها فستؤول كلّ مشاريعها للفشل طال الزّمن أو قصر..
وانطلاقا من تجربة حركة النهضة في الحكم، وفشل الرئيس مرسي في مصر يمكن القول انّ الإسلام المسيّس فشل في تونس لأنّه فاقد لمواصفات تونسيّة هي حصيلة 3000 سنة من تاريخ هذه البلاد، ولأنّه اعتبر انّ الإسلام هو الحلّ لكلّ المشاكل ولكلّ الانتظارات والتصوّرات.. فيكفي تطبيق كلام رجال الدين والطاعة لهم حتى يعمّ الخير وتتحقّق الرفاهية في كل الرّبوع! وإذا أصبح واضحا بالنسبة الى المحلّلين انّ النهضة الحقيقيّة للشعوب ـ بمن في ذلك العربية والاسلاميّة ـ  ترتكز أساسا على الاهتمام بالعلوم الصحيحة وبالنموّ الاقتصادي العادل وبالمعرفة وحرية الفكر والابداع والاهتمام بالهويّة، فإنّ هناك من يتصوّر أنّ رقيّ هذه الشّعوب من مشمولات رجال الدّين والأيمّة، وهكذا حصلت الكارثة لأنّ العلماء في الفيزياء والإعلاميّة والطبّ وعلوم الحياة والعلوم الانسانيّة ـ على سبيل المثال ـ  هم الذين يضطلعون بدور أساسي في نمو البلدان الغربيّة في حين انّ «الإمام» أصبح المنظّر والقائد في بعض البلدان العربيّة! وهذا سرّ نجاح الغرب وسر فشلنا! لقد صرنا نشاهد في بلادنا رجالا ذوي قراءة أحادية ومنحازة للدين يسعون إلى قيادة المجتمع في حين يشهد التاريخ انّ الأمم تتقهقر عندما يتحالف رجال الدين مع رجال السياسة لفرض التراجع الحضاري وقمع الحريات والمرأة، فعلى الأحزاب التي تريد «أسلمة السياسة» ان تصبح منظّمات دعوية وعلى من يريد خوض السياسة ألاّ يضع على وجهه قناع الدين.. وإلى يومنا هذا لم تجرؤ حركة النهضة على التفكير في مواضيع هامّة ومصيرية منها: ما علاقتها بالتنظيم الاسلامي العالمي؟  ما علاقة الدين بالديمقراطية! ما علاقتها بالنّخب؟ ما هو موقفها من تطبيق الشريعة؟ كيف يمكن الاهتمام بالهوية التونسيّة دون تكبيل العرب بجمود الماضي والتسامح مع العنف والارهاب.. اضافة الى كلّ هذه الاشكاليات فقد ارتكبت حركة النهضة خطأ فادحا عندما اعتقدت انّها قادرة على تسيير شؤون البلاد والحال أنّها تفتقر لشخصيات سياسيّة تمتلك التكوين الكافي والخبرة الضرورية والاعتدال حتى تنجح مع حلفائها في قيادة البلاد الى برّ الأمان.. أخفقت لعدم كفاءتها ولأنّها اعتبرت السلطة غنيمة ولأنّها حاولت خدمة الحزب قبل خدمة الشعب فانتدبت ـ خطأ ـ عشرات الآلاف من أنصارها حتى أوشكت الدولة على الانهيار والافلاس وانتشر العنف والارهاب! انّ تونس لم تكن بحاجة الى وزراء «مؤمنين» فقط بل إلى علماء ومهندسين وأطبّاء وباحثين وشعراء وفلاسفة ومبدعين وأحزاب معارضة قويّة تضعها على السكّة الصّحيحة.. لقد حاول بعض المرشدين فرض دين يهتمّ بالمظاهر واللحية والجهاد في سوريا والتصدّي للمعارضين والإعلام الحرّ ومحاولة اركاع القضاء واستدعاء «شيوخ آخر الدنيا» يعلّمون الشعب التونسي كيف يغسل أمواته وكيف تتمّ عملية ختان الفتيات وكيف يتجنب العطورات والشيطان! كل هذا في القرن الحادي والعشرين!
أمّا على صعيد تعامل النهضة مع المجتمع وخاصة مع النخب والنساء والمبدعين فقد كان ذلك خطؤها الأعظم.. فهي لم تتحاور معهم ولم تستمع لهم بل إنّها قدمت صورة قاتمة عندما حاولت التصدّي للإعلاميين والفنانين والمبدعين وكأنهم أعداء فدعت أنصارها إلى التظاهر ضدّ معرض العبدلية الذي لم تشاهده وكان من الأجدى لها أن تتحاور مع أبرز المثقّفين وأن تجنح إلى الحوار بدل المحاكمات والمظاهرات العنيفة والبدائيّة.. انّه لا يمكن لأيّ حزب أن يكون في قطيعة مع النخب وألا يأخذ بعين الاعتبار شواغلهم وأفكارهم وميلهم للاعتدال والتسامح،  كما أنّه ليس من حقّ أيّ كان تكفير من لا يتفق مع حزب النهضة! انّ الابتعاد عن البلاد طيلة 20 سنة أو القبوع في السجن لمدّة عقود أفقد القادة النهضويين امكانيّة معرفة حقيقيّة لهذا الشعب المعتدل الذي له حضارة ضاربة في التاريخ.. فأحمد باي عتق كل العبيد في تونس سنة 1846، ثمّ انّ بلادنا أقرّت عهد الأمان سنة 1857 وهو دستور حام للحرّيات، ثمّ انّ هناك عمالقة أثّروا في المجتمع التونسي مثل حنبعل والكاهنة البربرية وعلي بن غداهم والمنصف باي وفرحات حشاد وبشيرة بن مراد وابي القاسم الشابي والحبيب بورقيبة..
فالقطيعة مع النّخب لن تسمح لحركة النهضة بالنّجاح في خياراتها وتعاملها مع الشعب التونسي.. فهل استدعى قيادي من النهضة، هشام جعيّط أو الفاضل الجزيري أو أولاد أحمد أو لمين النهدي أو ألفة يوسف أو المنصف المزغني أو ليلى طوبال أو توفيق الجبالي أو المنصف الوهايبي أو رجاء بن سلامة أو رفيق كامل أو عزالدين قنون أو جليلة بكار أو الحبيب الكزدغلي أو لطفي بوشناق أو نائلة السليتي للاستماع لتحاليلهم ورؤاهم الثقافية والسياسية وأخذها بعين الاعتبار؟ وهل اجتمع حزب النهضة بالنساء الفاعلات في الحقل السياسي والإعلامي والجمعياتي والطالبي لفهم المجتمع التونسي وكأنّه شعب شبح لا وجود له أو شعب قاصر يجب «إنارته»! ثمّ هل انتفعوا بالانجازات الكونية التي أقرّت حقوق الانسان وحقوق المرأة في القرن الحالي؟
انّ كلّ هذه الأفكار المتراكمة تحتاج الى الحوار ولابدّ أن تستأثر بالاهتمام حتى تصبح النهضة حزبا تونسيا 100 ٪ وحتى تصبح تونس ديمقراطية حقيقيّة فخورة بهويّتها وأيضا بمجهودات كل من يريد أن تصبح بلادنا منارة للحريات والرقيّ الاقتصادي والثقافي وازدهار الابداع...
لقد بات الصراع اليوم بين أنصار الدولة المدنية والدولة الدّينية، وأكبر الخطر ان يتصوّر البعض انّ الدين وسيلة لقمع روح الحداثة والاعتدال والحرّيات!